غالبًا
ما توصف المصنفات بالكبَر، ويراد: كبر الحجم أو عظم القدر، فمعنى «الكبرى» -إن
أريد القدر-: العظمى، أي أنها جليلة القدر عظيمة الشان. وتقييد
بعض الناس للمصنفات بـ«ـالكبرى» و«الكبير» و«الصغرى» و«الصغير» -أو«الأوسط»- إنما
يراد به غالبًا التمييز بين «المصنفات»، لا التمييز بين «الإبرازات». كالإيمان
الكبير والإيمان الأوسط -أو الإيمان الصغير كما في بعض النسخ الخطية-، وكالوصية
الكبرى والوصية الصغرى، وكالإحاطة الكبرى والإحاطة الصغرى، ونحو ذلك، وهي خاضعة
لاجتهاد الطلاب والنساخ. ومن
عادة الشيخ رحمه الله الزيادة على مصنفاته والتحشية عليها، والأمثلة على هذا أكثر
من أن تحصى -وبخطه أيضًا-، ولا يعني أنه إن زاد على مصنف أو فتوى صيره من صغرى إلى
كبرى؛ فلا الاقتضاء اقتضاءان، ولا الرد على المنطقيين ردان، ولا الحموية الكبرى
حمويتان... إلخ [وكلها مما قد زاد عليها الشيخ بخطه]. وعليه
فما فهمه بعض الأفاضل من أن مراد من نسب للشيخ «حموية صغرى» أنها أصل للكبرى أو
(إبرازة أولى) للكتاب= غير دقيق؛ فلا تلازم بين الأمرين. والشأن
أن يقال إن الصغرى مصنف سمي للشيخ ولا نعلم حاله ولم يصلنا خبره كحال غيره من
المصنفات التي سميت ولم تصلنا، أو وصلتنا باسم آخر، أو وصلتنا دون اسم، ومثل هذه
التسميات يدخل فيها اجتهاد النساخ كما هو معلوم. فابن
عبدالهادي حين ذكر الصغرى ذكرها تمييزًا لها عن الكبرى المذكورة قبلها، وليس
مقصوده أن الشيخ أفتى بها وكانت صغرى ثم أضاف عليها فأصبحت كبرى! فهذا المعنى غير
وارد، وتتمة الكلام تأباه، وقد سماها «الكبرى» ابتداء [أي أول ما أفتى بها سنة
٦٩٨هـ] وذكر حالها ونقل منها. قال
ابن عبدالهادي: «وله الحموية الكبرى والحموية الصغرى، فأما الحموية الكبرى
فأملاها ما بين الظهر والعصر وهي جواب عن سؤال ورد من حماة سنة ثمان وتسعين
وستمائة وجرى بسبب تأليفها أمور ومحن وتكلم الشيخ فيها على آيات الصفات
والأحاديث الواردة في ذلك وقال في مقدمتها -وهي عظيمة جدا- :
...» ونقل منها عدة صفحات، ولما انتهى قال: «هذا آخر الحموية الكبرى وهي في
ستة كراريس بقطع نصف البلدي ألفها الشيخ رحمه الله قبل سنة سبع مئة وعمره إذ ذاك
دون الأربعين سنة».فسمى
هذه الفتيا التي أفتى بها الشيخ سنة (٦٩٨هـ) والتي أملاها بين الظهر والعصر...إلخ=
«الحموية الكبرى». ثم
ما نقله منها يوافق -في مواضع كثيرة- النسخ التي عدها البعض: الحموية الصغرى، بل
وفي
موضع خالف ما عدّوه من خصائص الكبرى [وهي الزيادة المعروفة عند حديث الأوعال].وقد
وقفت بحمد الله على نسختين نفيستين للغاية: إحداهما نسخت بتاريخ (٧٣٠هـ) أي بعد
وفاته بسنتين، والأخرى بتاريخ (٧٠٢هـ) أي بعد الفتوى بأربع سنوات! وهي بخط أحد
طلاب الشيخ، وعليها حواش بخط الشيخ رحمه الله. فأما
الأولى فإنه قد كتب في أولها: «الفتيا الحموية الكبيرة لشيخ الإسلام
الحراني رحمه الله ورضي عنه»، وفي آخرها: «آخر الحموية الكبرى». وهي
توافق -في مواضع كثيرة- النسخ التي عدها البعض: الحموية الصغرى، بل وفي موضع خالفت
ما عدّوه من خصائص الكبرى [وهي الزيادة المعروفة عند حديث الأوعال]. وأما
النسخة الأخرى فالحديث عنها ذو شجون... لكن الذي يهمنا منها الآن هو أنه رغم
تقدمها فإنها جاءت وفي أصلها -لا في زياداتها التي بخط الشيخ- مواضع توافق
ما عده البعض: الحموية الكبرى. ثم
هي بأصلها وزيادات الشيخ عليها تخالف في مواضع ما عدّه البعض من خصائص
الكبرى. فلا
تعدو المسألة إذن عن كونها من «فروق النسخ»، ومن زيادات الشيخ المعتادة على
مصنفاته مرة بعد مرة.. لا أكثر! والله
أعلم
كتبه
عبدالله بن علي السليمان
تنبيه:الباعث على هذا التوضيح والبيان هو أن بعض الفضلاء -ممن اعتقد هذا الرأي وجزم به-
قد نشر الكتاب وطبق هذه النظرية واقعًا عمليًّا فطفق يقدم ويؤخر ويرجح ويقدر ويثبت
في المتن شيئًا ويترك آخر في الحاشية فخرج النص قلقًا ملفقًا وفي صورة غير مرضية.زيادة على نفيه لبعض الزيادات ودعوى أنها
مقحمة، وقد تبين -من نسختنا هذه- أنها مما زاده الشيخ بخطه رحمه الله ورضي عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق