قال في الروضة [١/ ١٠٤]:
«الثاني: السبب، وهو في اللغة: عبارةٌ عمّا يحصل الحكم عنده لا به»
والكلام عليه من جهتين: إحداهما عقدية، والأخرى لغوية.
فالأولى أمرها ظاهر، وهي جارية على مذهب نفاة الأسباب، فلعلها عبارةٌ سرت إلى الشيخ أبي محمد من كلام الغزالي، والمسألة مشهورة فتكفينا الإشارة.
أما الثانية فإن تعريف السبب في اللغة: هو كل ما يتوصل به إلى المطلوب، كما هو معلوم من كلام أهل اللغة.
لذا خالف الطوفي [ت: ٧١٦هـ] الشيخ أبا محمد في هذا الموضع، فقال في مختصره:
«السبب، وهو لغة ما توصل به إلى الغرض، واشتهر استعماله في الحبل أو بالعكس».
وقال في الشرح:
«(وهو لغة) أي: في اللغة: (ما توصل به إلى الغرض) المقصود.
قال الشيخ أبو محمد وأبو حامد: (السبب في اللغة: عبارة عما يحصل الحكم عنده لا به).
والصحيح ما ذكرته.
قال الجوهري: السبب: الحبل، والسبب أيضا: كل شيء يتوصل به إلى غيره. نعم حكم السبب ما ذكره من أن الحكم يوجد عنده لا به، لأنه ليس بمؤثر في الوجود، بل وصلة ووسيلة إليه، فالحبل مثلا يتوصل به إلى إخراج الماء من البئر، وليس هو المؤثر في الإخراج، إنما المؤثر حركة المستقي للماء ...
قوله: (واشتهر استعماله في الحبل أو بالعكس) أي: السبب في وضع اللغة ما ذكر، واشتهر استعماله في عرف اللغة في الحبل، أو أنه في وضع اللغة الحبل، واشتهر في العرف استعماله فيما توصل به إلى الغرض، هذا معنى العكس المراد هنا.
واعلم أن هذا تردد في وقت الاختصار، فإني لم أطالع عليه شيئا من كتب اللغة الموثوق بها، ثم إني رأيت السبب يطلق في العرف واللغة على الحبل، وهو مشهور فيه، ومع ذلك رأيت أن كل ما توصل به إلى مقصود ما فهو سبب له، ورأيت أن الأصل عدم الاشتراك، فبقيت مترددًا بين أن السبب موضوع لما توصل به إلى الغرض متعارف في الحبل، أو موضوع للحبل متعارف فيما توصل به إلى الغرض فأطلقت القول بالتردد حذرا من الخطأ في الجزم بأحد التقديرين، فالآن عند الشرح طالعته في (الصحاح) فوجدته مشتركًا بين الأمرين، كما حكيته لك آنفا» أ.هـ
بقي سؤال: هل أراد الغزالي في تعريفه اللغة أو الاصطلاح؟
▪️فكلام الطوفي -وتبعه الجرّاعي- صريحٌ في أن مراده هو الأول؛ إذ جعلا تعريف الشيخ أبي محمد للسبب لغة متابعة منه لأبي حامد.
▪️ولكن ظاهر صنيع الغزالي -والله أعلم- أنه أراد الثاني، ومثله ابن رشيق [ت: ٦٣٢هـ] في اختصاره للمستصفى (لباب المحصول في علم الأصول).
إذ أصل الكلام كما في المستصفى:
"واعلم أن اسم السبب مشترك في اصطلاح الفقهاء، وأصل اشتقاقه من الطريق ومن الحبل الذي به ينزح الماء من البئر، وحدّه: ما يحصل الشيء عنده لا به" [المستصفى ١/ ٢٥٢]
فقوله: "وحدّه..." ظاهره أنه قصد الحد الاصطلاحي، أي: "وحدّه [اصطلاحًا] ما يحصل الشيء عنده لا به"
وقد أورد غير واحد من العلماء هذا التعريف ونحوه ونصّوا على أنه اصطلاحي.
▪️ فيحتمل أن يقال:
- لعل الشيخ أبا محمد قد دخل عليه تعريف في تعريف..
- أو ربما هي كلمة ندّت وقلمٌ سبق، كما هو الحال في مويضعات أخرى قليلة جدًا.
▪️ و يحتمل أن يكون ما قاله= إحدى التعريفات اللغوية، ولكنه تعريف مرجوح.
وهذا أقوله مدارسة فرحم الله من أفاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق